حقيقة الإيمان وبدع الإرجاء (الشيخ سعد بن ناصر الشثري)

قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري في محاضرة بعنوان “حقيقة الإيمان وبدع الإرجاء” :

قول المرجئة

يقابل طوائف الوعيدية طوائف المرجئة، وهم طوائف متعددة حتى ذكر أبو الحسن الأشعري اثنتي عشرة فرقة من فرق المرجئة(مقالات الإسلاميين ص 120)، وقد حدثت بعده طوائف أخرى، والأصل الذي ينطلق منه المرجئة قولهم: ” إن الإيمان يصح ولو لم يكن معه أي عمل ” ، فأرجأوا وأخروا جميع العمل عن التأثير في الإيمان .

تفريغ الحاضرة بصيغة وورد
https://www.box.com/s/641ud0qifkkvvfdd95us

 

إن الحمد لله( ) نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده و رسوله
أما بعد؛ قال الشيخ الشثري حفظه الله

فالموضوع الذي أريد التحدث عنه( ) هو: (حقيقة الإيمان والتحذير من الإرجاء)، وهذا الموضوع مهم وخطير، وذلك لأن كثيراً من أحكام الشريعة مرتب على حقيقة الإيمان؛ فمما يترتب على ذلك مسألة التكفير، ومسألة الحكم على الآخرين بالدخول في دين الله، ومن أعظم المحرمات إخراج مسلم من دين الإسلام بلا دليل شرعي، أو إدخال مكلف في دين الإسلام والنصوص قد دلت على عدم دخوله، ولهذا كان من أوائل الخلاف العقدي الخلاف في هذه المسألة حيث حصل في عهد الخلفاء الراشدين، ثم كثر الخلاف والنزاع بعد ذلك في هذه المسألة حتى ألفت آلاف الكتب في هذا الموضوع، ومن هنا سأتكلم بإذن الله عن حقيقة الإيمان في النصوص الشرعية وعند السلف وعند المخالفين لهم من الوعيدية والمرجئة.

حقيقة الإيمان في النصوص الشرعية

ورد لفظ الإيمان ومشتقاته في القرآن الكريم أكثر من ثمانمائة (800) مرة كما ورد في السنة أضعاف ذلك، والقاعدة في تفسير ألفاظ النصوص الشرعية أن تفسر بحسب اصطلاح الشرع؛ فإن لم يكن له اصطلاح فيه رجع للغة؛ وإلا رجع للعرف، فالألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها والمراد بها من جهة النبي لم يحتج في معرفة معناها إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم، واسم الإيمان من أعظم الأسماء التي وردت في الشرع لعظم الأحكام المرتبة عليه دنيا وآخرة، فلا شك أن الحاجة لبيانه أعظم من الحاجة لبيان غيره من الألفاظ، ولذا فإن النبي قد بين المراد بهذا اللفظ بياناً لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب وعقول الناس، فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله، فإنه شاف كاف. واسم الإيمان قد تكرر ذكره في القرآن والحديث أكثر من ذكر سائر الألفاظ؛ وهو أصل الدين وبه يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويفرق بين السعداء والأشقياء، ومن يوالى ومن يعادى، والدين كله تابع له، وكل مسلم يحتاج إلى معرفة ذلك، أفيجوز أن يكون الرسول قد أهمل بيان معناه مع ترتب هذه الأحكام العظيمة عليه؟
إذا تقرر ذلك، فإن الناظر في لفظ الإيمان الوارد في النصوص الشرعية، يجد أن النصوص الشرعية التي ورد فيها لفظ الإيمان على ثلاثة أنواع:
النوع الأول من النصوص: إطلاق اسم الإيمان بحسب الأمور الظاهرة، فإذا ورد خطاب يتعلق بالمؤمن من هذا النوع فإنه يدخل فيه المؤمن الذي فعل الواجبات وترك المحرمات، ويدخل فيه الفاسق والمنافق الذي لم يعلم نفاقه،
وهذا المعنى هو الذي تعلق به الأحكام الدنيوية من الحقوق والحدود، كحقن الدم والمال والمواريث ونحو ذلك من الأحكام.
النوع الثاني من النصوص: استعمال لفظ الإيمان والمؤمن والذين آمنوا في مطلق الإيمان بحيث يدخل في ذلك المؤمن الذي فعل الواجبات وترك المحرمات والفاسق،

النوع الثالث من النصوص: استعمال لفظ الإيمان في الإيمان المطلق بحيث لا يدخل إلا من كان مؤمناً فعل الواجبات وترك المحرمات، وهذا هو الذي يعلق عليه المدح والثواب الأخروي

ومن هذا النوع الأدلة التي وردت بإثبات اسم الإسلام ونفي اسم الإيمان، فهي تنفي الإيمان المطلق دون مطلق الإيمان، وهناك وجه آخر لهذه النصوص هو أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا فسر كل منهما بمعنى مغاير لمعنى الآخر كما في حديث جبريل حيث فسر النبي الإسلام بالأعمال الظاهرة فقال : (الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان)، وفسر الإيمان بالإيمان بالأصول الخمسة فقال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه وتؤمن بالبعث)( )، وإذا أفرد الإيمان فإنه يتضمن الإسلام كما في حديث وفد عبد القيس حيث قال: (أتدرون ما الإيمان بالله وحده، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا الخمس من المغنم)( ).
ودلالة لفظ الإيمان على هذه المعاني الثلاثة مثل دلالة لفظ الصلاة والحج: تطلق على الفعل الظاهر حتى فعل المنافقين والمرائين

الايمان عند السلف

حقيقة الإيمان عند السلف

عرف أهل السنة الإيمان بأنه( ): قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان.
قال الإمام أحمد: “الإيمان قول وعمل يزيد وينقص”( ).
وقال الإمام البخاري في أوائل صحيحه: “وهو قول وفعل يزيد وينقص…” إلى أن قال: “والحب في الله والبغض في الله من الإيمان”( ).
وهذا ليس قولاً لهذين الإمامين فقط بل هو اتفاق الصحابة وأهل السنة كما حكى أقوالهم جماعة من العلماء.
قال ابن عبدالبر: “القول في الإيمان عند أهل السنة وهم أهل الأثر من المتفقهة والنقلة، أجمع أهل الفقه والحديث: أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان”، ثم ذكر خلاف مرجئة الفقهاء( ).
وقال ابن كثير: “الإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً وعملاً، هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد من العلماء إجماعاً أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص”( ).
وقال البغوي في شرح السنة: “اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان… وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة”( ).
ولا يتصور أحد أن بين هذه النقولات خلافاً، فمن قصر مفهوم الإيمان على القول والعمل أراد قول اللسان والقلب، ومن زاد الاعتقاد فإنه خاف أن يتوهم أحد أن الاعتقاد ليس داخلاً في قول القلب، وقال بعضهم: “قول وعمل ونية”، وزاد آخرون: “اتباع السنة”، لأن الأقوال والأعمال لا تكون محبوبة لله إلا باتباع السنة، وسئل سهل التستري عن الإيمان ما هو؟ فقال: “قول وعمل ونية وسنة؛ لأن الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سنة فهو بدعة”( ).

المخالفون في حقيقة الإيمان

إذا تقرر مذهب السلف في حقيقة الإيمان تبين لنا أنهم حسنة بين مذهبين خاطئين: مذهب الوعيدية ومذهب المرجئة، أما مذهب الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فإنهم يقولون: صاحب الكبيرة يخرج من الإيمان ويستحق الخلود في نار جهنم، والخوارج منهم يقولون: هو كافر، والمعتزلة يقولون: بأنه في منزلة بين المنزلتين، والعجب من المعتزلة أنهم يسمون أنفسهم أصحاب العدل ثم يقولون: من فعل كبيرة واحدة ألغت جميع أعماله الصالحة ولو كانت أمثال الجبال.
ومذهب الوعيدية مذهب باطل بدلالة النصوص المتواترة الصريحة على عدم خروج مرتكب الكبيرة من مطلق الإيمان، ولذلك فإن العقوبات الشرعية من القصاص والحدود تطبق على القاتل والسارق والقاذف وشارب الخمر؛ ولو كان يخرج بالكبيرة من الإيمان لطبق عليه حد الردة وقتل، ولم تطبق عليه تلك الحدود، وخذ مثلاً جريمة القتل وهي جريمة عظيمة يقول النبي : (لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)( )، ومع ذلك جاءت النصوص بوصف القاتل بالإيمان،
ويخشى على الوعيدية من حديث جندب رضي الله عنه أن النبي قال: (قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له وأحبطت عملك)( )، وفي روايـة قـال أبو هريرة في آخره: (تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته)( ).

قول المرجئة

يقابل طوائف الوعيدية طوائف المرجئة، وهم طوائف متعددة حتى ذكر أبو الحسن الأشعري اثنتي عشرة فرقة من فرق المرجئة( )، وقد حدثت بعده طوائف أخرى، والأصل الذي ينطلق منه المرجئة قولهم: إن الإيمان يصح ولو لم يكن معه أي عمل، فأرجأوا وأخروا جميع العمل عن التأثير في الإيمان.
ومنشأ قولهم في ذلك هو العدول عن بيان القرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، مع اعتمادهم على عقولهم، وعلى ما تأولوه من اللغة بفهمهم، ومن هنا نجد أهل البدع يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم وما تأولوه من اللغة، فلا يعتمدون على كتب التفسير المأثور والحديث وآثار السلف، وإنما يعتمدون على كتب الأدب وكتب الكلام التي وضعها رؤساؤهم.
وحيث إن المراد دراسة أفكار هذه الفرقة وردها رداً علمياً من خلال نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة فإنني سأستعرض أبرز أفكار هذه الفرقة المخالفة للحق والصواب وأردها من خلال أدلة الشريعة.

لا يكفر أحد بعمل أو قول

من مقالات المرجئة أنه لا يكفر أحد بعمل أو قول وإنما التكفير بحسب ما في القلب، فلا يكفر إلا من اعتقد الكفر، أما من تلفظ به أو عمله فإنه لا يكفر، وهذا خطأ مخالف للنصوص، فقد ورد أكثر من ثلاثمائة نص تدل على أن الكفر قد يحصل بقول أو فعل كما في آية النحل 106

فاستثنى من الكفر من أكره، والإكراه إنما يكون على الفعل والقول، فدل ذلك على أن الكفر يقع بهما، ودلت الآية أن من قلبه مطمئن بالإيمان وكفر بفعله أو قوله ولا إكره عليه أنه يكفر بذلك

و في الاية 107 فدل ذلك على أن كفرهم ليس عن اعتقاد أو جهل أو بغض لدين أو نحو ذلك من الأمور القلبية، بل إن الله حكم بكفرهم – مع علمهم بصحة الدين وحبهم له – بفعلهم لأمر مكفر تقديماً لأمور الدنيا على الآخرة؛ وهذا إنما يحصل في الأعمال الظاهرة.

الاية 72 73 من المائدة
فحكم عليهم بالكفر بمجرد قولهم، ولم يقل الذين اعتقدوا، ومن القواعد الأصولية أن تعليق الحكم على وصف يدل على أن ذلك ا لوصف علة للحكم، فعندما علق حكم الكفر بهذا القول دل ذلك أن القول المذكور هو علة الحكم بالكفر

الاية 74 التوبة

فكفرهم بقولهم فقط مع كونهم يجاهدون مع النبي ويصلون ويزكون.

وقد حكى جماعة من العلماء الإجماع على أن الكفر يحصل ببعض الأعمال، كإسحاق بن راهويه( )، وأبي ثور( )، وابن حزم( )، وابن العربي المالكي( ) وابن تيمية( )، والشيخ عبدالرحمن بن حسن( )، والشيخ محمد بن إبراهيم( )، وعمل الفقهاء جميعاً في أبواب الردة يدل على أن المكلف قد يكفر ببعض الأعمال أو ببعض الأقوال، فقد حكموا بأن بعض الأعمال والأقوال كفر أكبر.

وقد وردت شبهة على بعض المعاصرين في ذلك

فإنهم لما رأوا بعض العلماء يقولون: لا نكفر أحداً من المسلمين بذنب( )، ظنوا أنهم يرون أنه لا يوجد عمل أو قول يخرج به الإنسان من دين الإسلام، وهذا استدلال عجيب، إذ كيف يعارضون النصوص الصريحة بألفاظ بعض المؤلفين، على أن هذه اللفظة لا تدل على مذهب المرجئة، فإن هذه اللفظة أشير فيها إلى أن التكفير لا يكون بالذنوب رداً على الوعيدية الذين يكفرون بالذنوب، أما الأعمال والأقوال المكفرات فلم يتعرضوا لها في هذه اللفظة، ومن ارتكب مكفراً لم يكن من المسلمين ومن ثم لا يدخل في إطلاق الجملة السابقة.
ومن أسباب ورود هذه الشبهة عليهم أيضاً أنهم رأوا تقسيم بعض العلماء الكفر إلى أكبر مخرج من الملة وإلى أصغر لا يخرج من الملة وسماه بعضهم كفراً عملياً، والأول سموه كفراً اعتقادياً.
وهذا اصطلاح لوحظ فيه الغالب، على أن هذا أيضاً من معارضة النصوص بأقوال العلماء.
ومن خطأ بعض المرجئة في هذه المسألة من المعاصرين المنتسبين للسلف أنهم يصفون المخالفين لهم بالخوارج والتكفيريين، وهذا فيه تجن على السلف من جهتين: الأولى: أنهم نسبوا إلى السلف ما ليس من مذهبهم. الثانية: أنه يلزم على ذلك وصف السلف بهذه الأوصاف الشنيعة، فما زال السلف يكفرون ببعض الأعمال، فجماعة من السلف كفَّروا بتعليم السحر
وجماعة من السلف يكفّرون بترك الصلاة، وقولهم فيه قوة لقول النبي : (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)( )، وقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)( )، ولما ورد أن النبي يعرف أمته يوم القيامة بكونهم غراً محجلين من آثار الوضوء( )، فدل على أن من لم يكن من أهل الوضوء للصلاة لم يعرفه النبي فلا يكون من أمته. وأجود ما اعتمد عليه المخالف حديث: (ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة)( )، ومع ذلك قال ابن تيمية: “إن هذا احتجاج ضعيف”؛ لأن عدم المحافظة لا تعني الترك بالكلية وإنما يعني بها الإتيان بالصلاة مع الإخلال بشيء من واجباتها كوقتها أو الطمأنينة فيها، كما ورد ذلك في بعض روايات الحديث: (خمس صلوات من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة)( )”( ) .
فإن قال قائل: أيهما أشد مذهب المرجئة الأوائل أو مذهب هؤلاء المتأخرين؟
قيل: قول المتأخرين أشد من قول المرجئة الأوائل من وجه، لأن أولئك قالوا بأن الفعل والقول يكون علامة على الكفر بحيث يحكم عليه بالكفر لفعله أو قوله في أحكام الدنيا دون أحكام الآخرة، وأما المتأخرون فلم يحكموا عليه بالكفر فيهما مما يعني إبطال حد الردة.
لكن قول هؤلاء المتأخرين أخف من قول المرجئة المتقدمين من وجه آخر، وهو إدخال العمل في مسمى الإيمان المطلق، فإن المرجئة الأوائل لا يدخلون العمل في مسمى الإيمان المطلق وهؤلاء يدخلونه.
ولو قال قائل: هل يجزم بخطأ هؤلاء المعاصرين أو أن المسألة ظنية؟
نقول: الأدلة الدالة على رد مذهب هؤلاء المعاصرين أدلة قطعية في إسنادها وفي دلالتها، ولو لم يرد إلا دليل واحد من النصوص القرآنية السابقة لجزمنا بخطأ المخالف، كيف وقد تواترت النصوص وتتابعت في دلالتها على خطأ مقالتهم.
فإن قيل: هل من قال بهذه المقالة لا ينسب لمذهب السلف لمخالفته لطريقتهم؟
فالجواب عن ذلك أن يقال: هم متبعون للسلف في المسائل التي وافقوا فيها السلف، أما هذه المسألة فهم ليسوا على مذهب السلف فيها، وخطأ الإنسان في مسألة أو مسألتين لا يجعلنا نطلق اسم الذم عليه مطلقاً؛ حتى في التأثيم، فإن المخطئ الذي لم تصله الأدلة الشرعية لا يستحق الإثم على الصحيح ما دام قد بذل وسعه في الوصول إلى الحق ولم يتمكن، كما هو مذهب السلف حتى لو كان في مسائل الاعتقاد؛
فأما إذا وصلت هذه الأدلة القاطعة للمكلف بحيث أمكنه اتباعها ثم خالفها تفريطاً في جنب الله وتعدياً لحدوده فلاشك أنه مخطئ آثم، وأن هذا الفعل سبب لعقوبة الله في الدنيا والآخرة( ).
وقد ذكر علماء أصول الفقه( ) هذه المسألة ومثلوا لها بالساجد للصنم فقالوا بأنه يكفر ويأثم بقصده، وكذلك يأثم ويكفر بنفس فعله وسجوده ولو لم يقصد ذلك بقلبه وإنما فعله لمصلحة دنيوية أو مجاملة لكافر ونحو ذلك، ثم حكوا خلافاً لبعض المبتدعة أنه لا يأثم إلا بقصده، وتوسع الأصوليون في الرد عليه وبيان ضلاله.
ومن العجب أن بعض هؤلاء المتأخرين ينسب قولهم هذا لابن تيمية وهو يصرح بخلافه في مواطن عديدة من كتبه، خذ مثلاً ترجيحه أن تارك الصلاة يكفر

ففي القرآن والسنة من نفي الإيمان عمن لم يأت بالعمل مواضع كثيرة كما نفى فيها الإيمان عن المنافق، وأما العالم بقلبه مع المعاداة والمخالفة الظاهرة فهذا لم يسم قط مؤمنا”( ).
وبعض الناس يستدل على عدم كفر المكلف بأي عمل يعمله ببعض المتشابهات التي يمكن إرجاعها إلى صنفين من الأدلة:
الصنف الأول: الأدلة الدالة على دخول من قال: لا إله إلا الله الجنة، مثل قول النبي (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة)( ).
وقوله : (ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة)( ).
وهذا الاستدلال لا يصح؛ لأن المستدل به لاحظ نصاً واحداً وأغفل بقية النصوص التي تجعل لذلك شروطاً لابد من وجودها وموانع لابد من انتفائها فمن الشروط مثلاً أن يكون ذلك خالصاً من القلب كما في الحديث الأول (غير شاك فيهما) وإن لم يذكر هذا الشرط في الحديث الثاني، ولابد من حمل المطلق على المقيد، وكذلك لابد من انتفاء الموانع، فمثلاً من قال: لا إله إلا الله وصرف شيئاً من العبادة -وهذا عمل– لغير الله فإنه كافر
وبالإجماع أن من أقر بالشهادتين وأنكر البعث فإنه لا يعد مؤمناً، فإذا قيدت هذه النصوص المطلقة بالإجماع في بعض المواطن فلتقيد أيضاً بالأدلة السابقة الدالة على أن بعض الأعمال كفر منافٍ للإيمان.
الصنف الثاني: الأدلة الدالة على أن بعض الناس يدخل الجنة وهو لم يعمل خيراً قط مثل ما ورد في حديث الذي أمر بإحراق نفسه بعد موته لأنه لم يعمل خيراً قط فرحمه الله لكونه يخشى ربه( )، ومثل حديث الذي قتل تسعة وتسعين نفساً فقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط( ) ونحو ذلك من النصوص.
لكن هذه النصوص وردت في طائفتين، الأولى: طائفة تجهل وجوب الأعمال واكتفت بالشهادة لظنها أنه لا يجب غيرها. والثانية: طائفة تابت قبل موتها فلم تتمكن من العمل، فهي لم يجب عليها عمل أصلاً.
صحة الإيمان بلا عمل

يعلم مما سبق أن من مقالات المرجئة أن الإيمان يصح ولو لم يوجد معه عمل، فإنه إذا قيل: لا يكفر أحد مهما قال أو عمل، ولا يكفر إلا بالاعتقاد لزم عليه أنهم يصححون إيمان المكلف ولو لم يكن معه أي عمل، وقد تقدم إيراد الأدلة الدالة على فساد ذلك.
قال الإمام الشافعي كما في رسالة الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية: “وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم، يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزي واحد من الثلاثة إلا بالآخر”( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسـم يجمع –كما يجمع هذه الأديان اسمها- ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدق بعمله كان في الآخرة من الخاسرين، وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف”( ).
ونقل عن محمد بن نصر أن الأمة مجمعة أن العبد لو آمن بجميع ما ذكره النبي من عقود القلب في حديث جبريل من وصف الإيمان ولم يعمل بما ذكره من وصف الإسلام أنه لا يسمى مؤمناً( ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وبذلك يظهر خطأ جهم ومن اتبعه في زعمهم أن مجرد إيمان بدون الإيمان الظاهر ينفع في الآخرة، فإن هذا ممتنع”( ).

حصر التكفير بما أجمع عليه

من مقالات المرجئة التوقف عن تكفير من لم يقع إجماع على تكفيره، وهذا خطأ، فإن الإجماع ليس هو الدليل الوحيد في الشرع، بل هناك الكتاب والسنة، فمن حكم عليه القرآن بالكفر وجب علينا تكفيره، وكذلك من حكمت عليه السنة بالكفر وجب علينا تكفيره؛ لأن التكفير حكم شرعي، والأحكام الشرعية يرجع فيها إلى الأدلة الشرعية ومنها الكتاب والسنة والإجماع، فمن حكم الله عليه بالكفر في القرآن العظيم وجب علينا الحكم بكفره اتباعاً لكلام الله، وكذلك من حكم عليه النبي بالكفر وجب علينا اتباعه في ذلك الحكم، وهذا من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
والتكفير حكم شرعي، فالواجب الرجوع فيه إلى الأدلة الشرعية، والأحكام الشرعية لا يشترط لثبوتها الإجماع عليها، ويدل على ذلك قول النبي : (إلا أن تروا منهم كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)( )، فاشترط الدليل الشرعي على التكفير، ولم يشترط الإجماع عليه.
حصر الكفر في الجحود

من أقوال المرجئة: أن الكفر هو التكذيب والجحود؛ بحيث لا يكون الكفر إلا بالجحود والتكذيب، وزعموا أن هذا حصل استدلالاً باللغة؛ لأن الكفر لغة هو التغطية
وكون الجحود والتكذيب يعد كفراً مخرجاً من الملة لا يعني أن الكفر لا يحصل إلا به، فقد دلت النصوص على أن الكفر يحصل بغير ذلك، فقد يكون الكفر بالاستهزاء
وقد يكون بالاستكبار والامتناع
وقد يكون بالإعراض عن دين الله
وقد يكون بالنفاق
وقد يكون بالشك كما في قصة صاحب الجنة في سورة الكهف
وقد يكون بالتلفظ بقول الكفر أو بالعمل كما سبق.

دخول الأعمال في الإيمان

من بدع المرجئة أن الأعمال عندهم لا تدخل في مسمى الإيمان، قالوا: لأنها لو دخلت فيه لكفرنا أهل المعاصي؛ لأنه لو كان مركباً من قول وفعل لزال كله بزوال جزئه.
وقد تتابعت النصوص الشرعية الدالة على دخول الأعمال في مسمى الإيمان، من ذلك:
الاية 143 من البقرة
وفي الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال لوفد عبد القيس: (آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغانم الخمس)( )، فأدخل الأعمال في مسمى الإيمان، ولا يقولن قائل بأنه لم يذكر ما في القلب؛ لأن ذلك مما يعلم فلم يحتج لذكره.
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: (الإيمان بضع وستون أو سبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)( ).
وفي سنن أبي داود بسند جيد من حديث أبي أمامة أن النبي قال: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)( ).
وفي السنن بسند صحيح من حديث أبي هريرة أن النبي قال: (المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)( ).
وقولهم: يلزم من إدخال الأعمال في الإيمان زوال الإيمان بزوال بعض الأعمال، لا يصح؛ فهذه فروع الشجرة جزء منها، ولا يلزم من زوالها، زوال اسم الشجرة.

والذين يخرجون الأعمال من الإيمان على صنفين، فمنهم من يقول: لا علاقة بينهما، والأدلة السابقة صريحة في رد مذهبهم وإبطاله. ومنهم من يقول: هما متلازمان، وهؤلاء هم مرجئة الفقهاء، وقد قال بعضهم( ) بأن الخلاف بين هؤلاء المرجئة – مرجئة الفقهاء – وبين أهل السنة خلاف لفظي؛ لأن أهل السنة يجعلون الأعمال جزءاً من الإيمان، وهؤلاء يجعلون الأعمال لازماً للإيمان، وليس قول مرجئة الفقهاء مماثلاً لقول هؤلاء المعاصرين؛ لأن هؤلاء لا يكفرون بعمل وأولئك يقولون: انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم.
وعلى كلٍّ فقول مرجئة الفقهاء مخالف للنصوص – السابق ذكر بعضها – الدالة على أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، ومن هنا فهو قول خاطئ وقد رتب بعضهم على الخلاف ثمرات عديدة.

مع بعض التصرف إضافة إلى عدم كتابة للآيات. (منقول)

نظرات في كتاب التقريب والتنبئة

د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
استاذ العقيدة بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية
التاريخ :7/2/1428 هـالحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعينبعد الاطلاع على كتاب ” التقريب والتنبئة ”
لمؤلفه : علي بن حسن بن عبد الحميد الحلبيفيلحظ على الكتاب ما يلي :-ـ احتجاجه بعبارات عامة مجملة لعلماء أهل السنة وإعراضه عن العبارات الواضحة المفصلة في شأن الإيمان والكفر ، فتتبع بعض العبارات المشتبهة لأهل العلم من أجل تبرير عبارات مشكلة للألباني ـ رحمه الله ـ مع أن في كلام أولئك ما يزيل هذا الإشتباه …

ـ احتجاجه بنصوص مبتورة من كلام شيخ الإسلام دون الالتفات إلى سياقها أو النظر إلى ما قبلها وبعدها .

ـ يفهم من هذه الرسالة أن مؤلفها لا يكفِّر إلاَّ من قصد الكفر …

ـ تقريره أن ” سوء التربية ” من موانع تكفير ساب الله أو رسوله .

ـ تعويله على كلام بعض العملاء المسجّل في أشرطة كاسيت أو ما كان منقولاً عن أشخاص مجهولين .

ـ دعواه أن ابن تيمية لايكفِّر تارك الصلاة إلا إذا أصرّ على تركها حتى يُقتل .

ـ احتقاره لمخالفيه ورميهم بالجهل و ” الخارجية والإرجاء ” مع غلو ومجاوزة حد في مدح الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ

1- ص20 إيراده لكلام ابن قتيبة ـ رحمه الله ـ على أن تارك الصلاة ليس كافراً مع أن كلامه مجمل محتمل حيث قال ابن قتيبة ” ومن الأصول الصلاة والزكاة والصوم وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً ، وهذا هو الأمر الذي من آمن بأنه مفروض عليه ، ثم قصّر في بعضه بتوان أو اشتغال فهو ناقص الإيمان … ”
وعلى كلٍِِّ فالعبرة بإتباع الحق والدليل ، فلا يحتج بكلام مجمل موهم لعالم من العلماء على ما ثبت بنصوص الوحيين .

2- ص21 إيراده لكلام ابن قتيبة الآتي :- ” الكفر بفرع من الفروع ـ على تأويل ـ كالكفر بالقدر ، والإنكار للمسح على الخفين … إلخ ” مع أن القدر ركن من أركان الإيمان ، فكيف لا يخرج من الإسلام ؟ وإذا كان الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ يقول : ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروه خُصموا ، وإن أنكروه كفروا .
فكيف بمن أنكر وكفر بالقدر كله ؟ كما أن أحاديث المسح على الخفين متواترة فكيف لا يكفر من أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة وقد ثبت بالنصوص المتواترة ! إلا إن كان مراده بذلك مراعاة عوارض الأهلية كما تشير جملة ” على تأويل ” .

3- ص24 احتجاجه بكلام ابن منده على أن أعمال الجوارح من كمال الإيمان ، مع أن ابن منده عقد هذا العنوان :- ذكر ما يدل على أن مانع الزكاة وتارك الصلاة يستحق اسم الكفر (2/382) !

4- ص25 ساق كلاماً لابن تيمية في تهوين شأن العمل .. مع أن هذا النص يحتاج إلى مزيد توثيق لابن تيمية ، فقد جاء في مطلع الصفحة ( الفتاوى 7/637) (( كما فسره شيخ الإسلام … )) لاسيما وأن كلام ابن تيمية صريح في هذه المسألة ومن ذلك قوله :- ” ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان .. إلخ ” (( الفتاوى 7/187)).

5- ص26 أورد كلاماً لابن تيمية من أجل أن يقرر أن العمل شرط كمال في الإيمان ..
من أن هذا الكلام المنقول لا يتضح إلا بالنظر إلى ما قبله وما بعده .

6- ص27 ما نقله المؤلف من كلام ابن تيمية كان في مقام مناظره مع ابن المرحل ، وقد حُذِف مطلع الجواب ، وهو قول ابن تيمية :- ” على أنه [ أي الشكر ] لو كان ضد الكفر بالله فمن ترك الأعمال شاكراً بقلبه ولسانه فقد أتى ببعض الشكر وأصله ، والكفر إنما يثبت إذا عدم الشكر بالكلية ، كما قال أهل السنة : إن من ترك فروع الإيمان .. إلخ .

7- ص33 دعواه أن الأعمال الظاهرة متعلقة بالإيمان المطلق لا مطلق الإيمان ـ كما في هامش رقم (1) ـ .

8- ص34 ساق كلاماً لابن تيمية في التهوين من شأن العمل ، مع أن في الكلام ما ينقض مراده حيث قال شيخ الإسلام :- ” لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح ” (7/198) .

9- ص35 أورد كلاماً لابن تيمية في التقليل من شأن المأمورات ، مع أن ما قبله ينقض مقصوده حيث قال شيخ الإسلام :- ” وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب ، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع .. ” ( الفتاوى 7/616).

10- ص34 في حاشية رقم (2) : ساق كلاماً لابن تيمية لكنه حذف ما قبله وما بعده ، ومما جاء قبله :- ” وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجباً ظاهراً ، ولا صلاة ولا زكاة ولا صياماً .. ” وحذف الجملة الأخيرة في خاتمة كلام ابن تيمية ” والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها “.

11- ص38 في حاشية رقم (1) : ادعى المؤلف أن محمداً أبا رحيِّم نَقَل عن النسفي الماتريدي تعريف الإيمان عند أهل السنة ، ثم اتهمه بالجهل ، وبالرجوع إلى الكتاب المذكور لأبي رحيّم لم أجد شيئاً من ذلك . ( وانظر ص66 حاشية رقم (2) ).

12- ص45 في حاشية رقم (2) : قال المؤلف:- ” فالسبب الذي هو سوء التربية أدى إلى انتفاء القصد الذي يكفر به من وقع في السبّ .. ” متى كان سوء التربية من موانع التكفير أو عوارض الأهلية ؟ لاسيما وأن الألباني ـ رحمه الله ـ يتحدث عن هذا ( المانع ) في مسألة سب الله والرسول وقد قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :- ” من الله وسبّ رسوله كفر ظاهراً وباطناً ، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحلاً له ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده ، هذا مذهب الفقهاء ، وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل ( الصارم المسلول ص451 ت: محي الدين عبد الحميد ).

13- ص47:- يُفهم من خلال النقول التي ساقها المؤلف أنه لا يكفر إلا إن قصد ذلك . وأما نقله عن ابن تيمية :-“ولهذا كانت الأقوال ..” فيوضحه مابعده :-“وأما المجنون والطفل الذي لا يميز فأقواله كلها لغو في الشرع لا يصح منه إيمان وكفر ..” ( الفتاوى 14/115) ، وأما النص الثاني عن ابن تيمية :-” فالمؤاخذة .. ” فيوضحه ما قبله :-“والقلب هو الملك الذي تصدر الأقوال والأفعال عنه ، فإذا لم يعلم ما يقول لم يكن ذلك صادراً عن القلب .. ” ، وقد قال ابن تيمية ـ عند قوله تعالى {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } ـ :-“فقد أخبر الله تعالى أنهم كفروا بعد إيمانهم ، مع قولهم إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له ، بل كنا نخوض ونلعب ، وبيّن أن الاستهزاء بآيات الله فكر ، ولا يكون ذلك إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام ” الفتاوى (7/220) .
وأما النص الثالث عن ابن تيمية :- ” وأما إذا كان يعلم ما يقول ..” فيبيّنه بقية كلامه :- ” وإن كان مكرهاً فإن أكره على ذلك بغير حق فهذا عند جمهور العلماء أقواله كلها لغو ..”.

14- ص48 لعل مقصود شيخ الإسلام من هذا التقرير ( الفتاوى 14/120) أن من سجد لوثن أو سبّ الرسول فإنه يكفر ظاهراً وباطناً ـ كما تقدم في النقل عن الصارم المسلول ـ لا أن يُعلّق سب الرسول بالاعتقاد أو قصد الكفر .
ولذا قال رحمه الله :- ” وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفرٌ كَفَر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافراً ، إذ لا يكاد يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله ” ( الصارم المسلول 2/339 ت: شودري وحلواني ).

15- ص48 كلام ابن تيمية ـ المنقول من الصارم المسلول ( 3/975) ـ يوضحه ما بعده :- ” وقال تعالى في حق المستهزئين {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } فبين أنهم كفار بالقول مع أنهم لم يعتقدوا صحته ” (3/976) .

16- ص48 تقريره أنه لا يكفر إلا إذا قصد واحتجاجه بكلام ابن تيمية ، مع أن كلام ابن تيمية في شأن من رفع صوته فوق صوت النبي ، وليس رفع الصوت في حد ذاته كفراً إلا أن قصد إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأما سب الرسول وإهانة المصحف فهذا كفر في حدّ ذاته فلا يشترط فيه الاعتقاد أو القصد ، كما قال ابن تيمية :-” لو أخذ يلقي المصحف في الحش ، ويقول أشهد أن ما فيه كلام الله ، أو جعل يقتل نبياً من الأنبياء ويقول أشهد أنه رسول الله ونحو ذلك من الأفعال التي تنافي إيمان القلب ، فإذا قال أنا مؤمن بقلبي مع هذه الحال كان كاذباً فيما أظهره من القول” ( الفتاوى 7/616).

18- ص49 ما نقله عن ابن تيمية من الفتاوى 7/609 ـ في التهوين من شأن الصلاة وأن تركها مسألة اجتهادية ـ جاء ما يرد عليه في ( الفتاوى 7/611 ) :”ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة .. ”
وانظر (7/616،615 ) حيث بيّن شيخ الإسلام ارتباط مسألة ترك الصلاة بالإرجاء ..

19- ص50 حاشية رقم (1) أوهم الكاتب أن ابن القيم يجعل ترك الصلاة والحكم بغير ما أنزل الله من الكفر العملي الذي لا يضاد الإيمان .. وليس الأمر بهذا الإطلاق .

20- ص54 رواية أحمد أن الإسلام هو الشهادتان فقط ـ ولم يقل أحمد “فقط” كما أثبت الكاتب ـ : أي بتوابعها ، كما قال ابن تيمية :- ” وقد يراد به الكلمة بتوابعها من الأعمال الظاهرة ” الفتاوى 7/258 ) . وإن أريد بالإسلام هو الشهادتان فقط فهذه إحدى الروايات عن أحمد ، وله روايات أخرى في تكفير تارك الصلاة ، وتكفير تارك الزكاة والصيام والحج .. ( انظر الفتاوى 7/259 ) .

21- ص54 ما نقله عن الشيخ ابن عثيمين وتعليقه : لا يخفى أن الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ يكفٍّر تارك الصلاة ـ وهي أحد أفراد عمل الجوارح ـ فما بالك بمن ترك جنس عمل الجوارح ـ من صلاة زكاة وصيام وحج ـ ؟.

22- ص55مانقله عن ابن تيمية يوضحه ما قبله ( الفتاوى 7/615 ) :-” ولو قال : أنا مقر بوجوبها ـ الصلاة ـ غير أني لا أفعلها كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه “.

23- ص56 أدعى أن ابن تيمية إنما كفّر تارك الصلاة إذا أصرّ على تركها حتى قُتِل …
وبالنظر إلى ما بعد هذا الكلام ، نجد أن ابن تيمية يقول :-” فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط ، ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً ” ( الفتاوى 22/49 ) .

24- ص57 دعواه أن ابن تيمية إنما كفّر تارك الصلاة إذا أصر على تركها حتى يقتل ، وليس مجرد الترك كفراً ، وهذا ما يخالف ما قرره ابن تيمية ـ كما سبق إيراده من الفتاوى 22/49 ـ وأما ما جاء في الاختيارات الفقهية فعلى النحو التالي :-
” من كفر بترك الصلاة : الأصوب أن يصير مسلماً بفعلها من غير إعادة الشهادتين لأن كفره بالامتناع كإبليس ” ص32 .

25- ص58 جواب ابن تيمية في حكاية قول العلماء الذين ينازعون في وجوب قضاء الصلاة وصحتها في غير وقتها ، وليس كما توهم الكاتب ..

26- ص61 ساق المؤلف ما يرد في كلام الألباني ـ رحمه الله ـ من اشتراط الاستحلال للتكفير دون جواب يذكر ، وكذا في ص62 أورد اشتراط القصد للتكفير ـ في كلام الألباني ـ ولم يورد المؤلف أجوبة تنفي ذلك .

27- ص63 حشد المؤلف جملة من العبارات المبتورة والمشتبهة لأهل العلم المحققين لتبرير بعض العبارات والمآخذ التي وقع فيها العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ.
ومن ذلك ما نقله من ( الصارم المسلول 3/1045) محتجاً على شرط القصد في الكفر .. وبالرجوع إلى الموطن المذكور والنظر إلى سياق الكلام وما قبله وما بعده يتضح مقصود ابن تيمية رحمه الله ، كما مثّل المؤلف بسبّ الدهر وقول الشخص : يا ابن كذا وكذا إلى أدم وحواء ، وكما قال شيخ الإسلام :- “إن سبّ موصوفاً بوصف أو مسمى باسم ، وذلك يقع على الله سبحانه أبو بعض رسله خصوصاً أو عموماً ، لكن قد ظهر أنه لم يقصد ذلك .. إلخ ” ( الصارم 3/1042) كما أن بعض الأصحاب جعل العبارة المذكورة ” عصيت الله في كل ما أمرني به ” يميناً لأن مما أمر الله به الإيمان ، ومعصيته فيه كفر .. ( انظر الصارم 3/1045 ) .

28- ص63 ما نقله عن ابن القيّم يوضحه ما قبله وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ حمزة رضي الله عنه في قوله : هل أنت إلا عبيد أبي وكان نشواناً من الخمر ـ وقبل تحريم الخمر ـ فلم يكفِّره بذلك لعدم القصد وجريان اللفظ من غير إرادة لمعناه .
لاسيما وأنه قد تظهر مطابقة القصد للفظ ، وتنتهي إلى اليقين والقطع بمراد المتكلم كما بسطه ابن القيم في ( أعلام الموقعين 3/107 ) .

29- ص64 احتج المؤلف بعبارات مجملة لابن تيمية وابن القيم ، وأن الألباني ـ رحمه الله ـ كهذين الإمامين عندما جعل الكفر هو التكذيب والجحود، مع أن لابن تيمية وابن القيم ـ رحمهما الله تعالى ـ من التقريرات الظاهرة بما لا مزيد عليه في بيان معنى الكفر وأنه لا يختص بالتكذيب والجحود ، ولم يورد عن الألباني ما يزيل هذا اللبس ، وأما قوله ” فذكر الشيء ـ أي كفر التكذيب والجحور ـ دون سواه ، لا يلزم منه نفيه ، بل قد يكون ذلك من باب الغالب والأكثر ” فليس الأمر كذلك بل كما قال ابن القيم عن كفر التكذيب ” وهذا القسم قليل في الكفار ” ( المدارج 1/337) .

30- ص65 ساق المؤلف عبارة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ أن الإيمان هو التصديق ، مع أن كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الإيمان والكفر في غاية الظهور والتحقيق ، وقد تضمنت أجوبته أقوى الردود على الوثنيين وأهل الإرجاء ، ولذا رمي بأنه خارجي ، وإن كانت عبارة الشيخ تحتمل أنه التصديق المخصوص بخطاب الشرع ، وعلى كلٍّ فلا يحتج بعبارة مجملة محتملة ويهمل ما يقابلها من عبارات في غاية التحرير والتحقيق .

31- ص69 ما نقله عن ابن تيمية من الصارم المسلول يوضحه ويجليه ما بعده ـ مما لم يذكره ـ :- ” فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتّب الحكم عليه ، فلما أخبر سبحانه أن الذين يلمزون النبي صلى الله عليه وسلم والذين يؤذونه من المنافقين ثبت أن ذلك دليل على النفاق وفرع له ، ومعلوم أنه إذا حصل فرعُ الشيء ودليله حصل أصلُه المدلولُ عليه ” ( الصارم المسلول 2/76)

32- ص70 كلام الشيخ محمد بن إبراهيم عام ومجمل ، وقد جاء مفصلاً مبسوطاً في رسالة تحكيم القوانين ، وكأن المؤلف يلمح إلى أن هذا الكلام العام مقدّم لأنه متأخر عن رسالة تحكيم القوانين ، لأنه حرر في 1385هـ ، ورسالة تحكيم القوانين طبعت في 1380 هـ .

33- ص70 هامش رقم (3) كلام يحتاج إلى توثيق وثبوت عن الشيخ العلامة صالح الفوزان .

34- ص77 يفهم من كلام المؤلف أنَّ الشخص لا يكفر إلاَّ إذا استلزم كفر الباطن ، وما نقله عن ابن تيمية من الصارم المسلول يوضحه ما قبله وما بعده ، من ذلك قوله رحمه الله :- ” .. إذ أعمال الجوارح تؤثِّر في القلب كما أن أعمال القلب تؤثر في الجوارح ، فأيهما قام به كفر تعدى حكمه إلى الآخر . ” ( الصارم المسلول 2/976 )

35- ص78 لو أتم المؤلف النقل عن ابن تيمية ـ من مجموع الفتاوى 7/558 ـ لكان أولى وتتمة النقل ما يلي :- ” فعلم بذلك أن مجرد اعتقاد أنه صادق لا يكون إيماناً إلا مع محبته وتعظيمه بالقلب ” .

36- ص79 ما نقله عن ابن تيمية ـ من مجموع الفتاوى 7/583 ـ ليس قول جمهور المرجئة بل هو قول غلاة المرجئة كالجهم والصالحي .

37- ص80 كلام الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ ظاهر في أن الصلاة شرط في صحة الإيمان خلافاً للألباني ـ رحمه الله ـ ودعوى التفريق ـ في السطر الأول من ص81 ـ لا دليل عليها .

38- ص83 حاشية رقم (1) كون الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ لم يتعقب كلام ابن حجر ليس دليلاً على صحة كلام ابن حجر ، كيف والشيخ ابن باز يقرر كفر تارك صلاة واحدة .. فهل يمكن أن يجعل جنس العمل ـ فضلاً عن الصلاة كأحد أفراده ـ شرط كمال في الإيمان ؟!

39- ص84 في الحاشية :- ما نقله عن ابن تيمية ـ من مجموع الفتاوى 7/525 ـ هو متعلق بما قبله فهو كلام عمن ارتكب مطلق الكبائر كالسرقة والزنا ونحوهما .

40- ص95 حاشية رقم (2) : أوهم المؤلف أن ابن تيمية يقول بإيمان تارك الصلاة لأنه لم يترك الواجب كله ، ولم يقل ذلك ابن تيمية في تارك الصلاة ، كما أن كلامه ظاهر في الحكم على تارك الصلاة .

41- ص94 السب والشتم من قِبل المؤلف تجاه خصومه “حماسيون وغثاء ، عاطفيون وجهلاء ، متطاولون وأدعياء .. ”

42- ص39 الغلو والمبالغة في الألباني ـ رحمه الله ـ وقد تكرر في عدة مواطن ، كقوله ” فهل يسوغ لنا القول بأن الألباني هتك أستار المرجئة أكثر من ابن تيمية “خص

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين