بحث للشيخ القاضي محمد تقي العثماني حول الخروج على الحاكم

بحث نفيس لأحد كبار علماء باكستان وهو القاضي محمَّد تقيّ العثماني أنقله بطوله لما حواه من فوائد
في الجزء الثالث من (تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم )(ص:271 إلى ص:275) قال في شرح حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: (دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان).

قوله: (وأن لا ننازع الأمر أهله) أي لا ننازع الأمير في إمارته، وزاد أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة: ( وإن رأيت أن لك في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الظن، بل اسمع وأطع، إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة ) وزاد في رواية حبان أبي النضر عند ابن حبان وأحمد: ( وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك) كما في فتح الباري: 13/8.
قوله: ( إلا أن تروا كفرا بواحا ) بفتح الباء الواو، يعني ظاهرا باديا، من قولهم: باح بالشيء يبوح به بوحا و بواحا: إذا أذعه وأظهره، و وقع في بعض الروايات: ” براحا” بالراء بدل الواو، وهو قريب من هذا المعنى، وأصل البراح: الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء، وقيل : البراح: البيان، يقال برح الخفاء إذا ظهر، ووقع عند الطبراني في الحديث: ” كفرا صراحا ” بصاد مضمومة ثم راء، هذا ملخص ما في فتح الباري: 13/8.

مسألة الخروج على أئمة الجور
———————————-
وبهذا الحديث استدل جمهور العلماء على أنه لا يجوز الخروج على السلطان الجائر أو الفاسق إلا أن يظهر منه كفر صريح، قال الحافظ في الفتح (13/7) ( قال ابن بطال: في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها ).
وربما يفهم منه بعض الناس أن الإمام الجائر لا يجوز الخروج عليه في حال من الأحوال مادام متسميا باسم الإسلام، وليس الأمر على هذا الإطلاق، ولاسيما على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى،
يقول الإمام أبو بكر الجصاص رحمه الله في أحكام القرآن (1/70) تحت قوله تعالى : ولا ينال عهدي الظالمين () وكان مذهبه ( يعني أبا حنيفة ) مشهورا في قتال الظلمة، وأئمة الجور، ولذلك قال الأوزاعي: ” احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف ” يعني قتال الظلمة، فلم نحتمله،… وقضيته في أمر زيد بن على مشهورة، وفي حمله المال إليه، وفتياه الناس سرا في وجوب نصرته والقتال معه، وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن ).
أما الذي أشار إليه الجصاص من قضية زيد بن علي، فما ذكره أصحاب التواريخ أن زيد بن علي لما خرج على بني أمية أيده الإمام أبو حنيفة بماله، وقد أخرج الموفق بسنده: ( كان زيد بن علي أرسل إلى أبي حنيفة يدعوه إلى نفسه، فقال أبو حنيفة لرسوله: لو عرفت أن الناس لا يخذلونه ويقومون معه قيام صدق، لكنت أتبعه وأجاهد معه من خالفه، لأنه إمام حق، ولكني أخاف أن يخذلوه كما خذلوا أباه، لكني أعينه بمالي فيتقوى به على من خالفه، وقال لرسوله : ( ابسط عذري عنده، وبعث إليه بعشرة آلاف درهم )، ثم قال الموفق ( وفي غير هذه الرواية اعتذر بمرض يعتريه في الأيام حتى تخلف عنه، وفي رواية أخرى : سئل عن الجهاد معه، فقال: خروجه يضاهي خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقيل له: فلم تخلفت عنه ؟ قال: لأجل ودائع كانت عندي للناس عرضتها على ابن أبي ليلى، فما قبلها، فخفت أن أقتل مجهلا للودائع، وكان يبكي كلما ذكر مقتله ) راجع مناقب الإمام الأعظم للموفق المكي(1/260 و261).

وأما قصته مع محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم بن عبد الله، فإنهما خرجا على المنصور، وذكر المكي في المناقب (2/84) أن أبا حنيفة كان يحض الناس على إبراهيم ويأمرهم بإتباعه، وذكر قبل ذلك أنه كان يفضل الغزوة معه على خمسين حجة، وذكر الكردي في مناقبه (2/22) أن الإمام أبا حنيفة منع الحسن بن قحطبة أحد قواد المنصور من الخروج إلى إبراهيم بن عبد الله، ويقال: إن المنصور سم أبا حنيفة من أجل هذا، حتى توفى رحمه الله،

وكذلك قصة سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه مع يزيد بن معاوية معروفة، وخرجت جماعة من المتقين على الحجاج بن يوسف،

فالذي يظهر لهذا العبد الضعيف عفا الله عنه بعد مراجعة النصوص الشرعية وكلام الفقهاء والمحدثين في هذا الباب – والله أعلم – أن فسق الإمام على قسمين:

الأول:
——
ما كان مقتصرا على نفسه، فهذا لا يبيح الخروج عليه، وعليه يحمل قول من قال : إن الإمام الفاسق أو الجائر لا يجوز الخروج عليه،

والثاني:
———
ما كان متعديا وذلك بترويج مظاهر الكفر، و إقامة شعائره، وتحكيم قوانينه، واستخفاف أحكام الدين، والامتناع من تحكيم شرع الله مع القدرة على ذلك لاستقباحه، وتفضيل شرع غيرالله عليه، فهذا ما يلحق بالكفر البواح، ويجوز حينئذ الخروج بشروطه.

وأحسن ما رأيت في هذا الموضوع كلام نفيس لشيخ مشايخنا حكيم الأمة أشرف علي التهانوي رحمه الله رسالته ” جزل الكلام في عزل الإمام ” وإنما مطبوعة في المجلد الخامس من إمداد الفتاوى (ص119 إلى 131).
وإن خلاصة ما ذكره رحمه الله في تلك الرسالة أن الأمور المخلة بالإمامة على سبعة أقسام:

القسم الأول:
————–
أن يعزل الإمام نفسه بلا سبب، وهذا فيه خلاف، كما في شرح المقاصد (2/282).

والقسم الثاني:
—————–
أن يطرأ عليه ما يمنعه من أداء وظائف الإمامة، كالجنون، أو العمى، أو الصمم أو البكم، أي صيرورته أسيرا لا يرجى خلاصه، وهذا ما ينحل به عقد الإمامة، فينعزل الإمام في هذه الصور جميعا.

والقسم الثالث:
—————–
أن يطرأ عليه الكفر، سواء كان كفر تكذيب وجحود، أو كفر عناد ومخالفة، أو كفر استخفاف أو استقباح لأمور الدين، وفي هذه الصورة ينعزل الإمام، وينحل عقد الإمامة، فإن أصر على بقائه إماما، وجب على المسلمين عزله بشرط القدرة ولكن يشترط في ذلك أن يكون الكفر متفقا عليه، بدليل قوله عليه السلام ( في حديث الباب) : ” إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ” وكما يشترط قطعية الكفر، يشترط أيضا أن يكون صدوره منه قطعيا كرؤية العين، ولا يكتفى في ذلك بالروايات الظنية، بدليل قوله عليه السلام: ” إلا أن تروا ” المراد به رؤية العين بدليل تعديته إلى مفعول واحد. ثم قد تختلف الآراء في كون الصادر من السلطان كفرا، أو في دلالته على الكفر، أو في ثبوته بالقرائن الحالية و المقالية، أو في قطعية الكفر الصادر منه، فكل من عمل عند وقوع مثل هذا الخلاف برأيه الذي يراه فيما بينه وبين الله يعتبر مجتهدا معذورا، فلا يجوز تفويق سهام الملامة إليه. على أن وجوب الخروج في هذه الصورة مشروط بشرط القدرة، وبأن لاتحدث به مضرة أكبر من مضرة بقاء مثل هذا الإمام، يقول الشريف الجرجاني في شرح المواقف (8/353) : ( وللأمة خلع الإمام وعزله بسبب يوجبه، مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين، وانتكاس أمور الدين،،… وإن أدى خلعه إلى فتنة احتمل أدنى المضرتين ). فيمكن أيضا أن يقع الخلاف في تعيين أدنى المضرتين، فكل يعمل بما يراه فيما بينه وبين الله، فلا يجوز لواحد أن يلوم الآخر، وعلى مثل هذه الأمور الاجتهادية يحمل اختلاف الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الخروج على بعض الأئمة في زمنهم،

القسم رابع:
————-
أن يرتكب السلطان فسقا مقتصرا على نفسه، كالزنا، وشرب الخمر وما إلى ذلك، وحكمه أنه لا ينعزل به بنفسه، ولكنه يستحق العزل، فعلى الأمة أن تعزله إلا أن تترتب على العزل فتنة، قال في الدر المختار، باب الإمامة ( يكره تقليد الفاسق ويعزل به إلا لفتنة ) وقال ابن عابدين تحته: ( قوله: ويعزل به، أي بالفسق لو طرأ على، المراد أنه يستحق العزل كما علمت آنفا، ولذا لم يقل ينعزل )، وقال ابن الهمام في المسايرة: ( وإذا قلد عدلا ثم جار وفسق لا ينعزل، وإن لم يستلزم، ولكن يستحق العزل، وإن لم يستلزم فتنة) و حاصله أنه لا يجوز الخروج عليه في هذه الصورة بما فيه سفك الدماء وإثارة الفتنة (…)

والقسم الخامس:
——————–
أن يرتكب فسقا يتعدى أثره إلى أموال غيره، بأن يظلم الناس في أموالهم، ولكن يتأول في ذلك بما فيه شبهة الجواز، مثل أن يحمل الناس الجبايات متأولا فيها بمصالح العامة، وحكمه أنه لا ينعزل به، وتجب إطاعته، ولا يجوز به الخروج عليه، كما سيأتي في عبارة ابن عابدين.

والقسم السادس:
——————–
أن يظلم الناس أموالهم، وليس له في ذلك تأويل، ولا شبهة جواز، وحكمه أنه يجوز للمظلوم أن يدفع عنه الظلم، ولو بقتال ويجوز الصبر أيضا بل يؤجر عليه، وأن هذا القتال ليس للخروج عليه، بل للدفاع عن المال، فلو أمسك الإمام عن الظلم وجب الإمساك عن القتال، قال ابن عابدين ناقلا عن فتح القدير: ( ويجب على كل من أطاق الدفع أن يقاتل مع الإمام إلا إن أبدوا ما يجوز لهم القتال، كأن ظلمهم، أو ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه،،… بخلاف ما إذا كان الحال مشتبها أنه ظلم، مثل تحميل بعض الجبايات التي للإمام أخذها وإلحاق الضرر بها لدفع ضرر أعم منه). وهذا حكم المظلوم الذي يقاتل دفعا للظلم عن نفسه، أما غيره فهل يجوز له أن ينصر هذا المظلوم ضد الإمام ؟ اختلفت فيه عبارات القوم، فذكر في فتح القدير أنه يجب على غير الظلوم أن يعين هذا المظلم و المقاتل حتى ينصفه الإمام ويرجع عن جوره، وذكر في جامع الفصولين والمبتغي والسراج أنه لا ينبغي للناس معاونة السلطان ولا معاونتهم، ووفق ابن عابدين بين القولين بأن وجوب إعانتهم إذا أمكن امتناعه عن بغيه، و إلا فلا، راجع رد المحتار، باب البغاة (3/341). وأما كون الصبر أولى في هذه الحالة، فلما سيأتي عند المصنف من حديث حذيفة ابن اليمان رضي الله عنهما أخبر فيه عن أئمة الجور، وفيه: (قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع) فالمراد من قوله عليه السلام: (فاسمع وأطع) نهيه عن الخروج. وأما القتال لدفع الظلم فجوازه مبني على الأحاديث التي تبيح عن القتال عن النفس وعن المال، وبما أن هذا القتال يشابه الخروج صورة، فتركه أولى استبراأ للدين.

والقسم السابع:
——————
أن يرتكب فسقا متعديا إلى دين الناس، فيكرههم على المعاصي، وحكمه حكم الإكراه المبسوط في محله، ويدخل هذا الإكراه في بعض الأحوال في الكفر حقيقة أو حكما، وذلك بأن يصر على تطبيق القوانين المصادمة للشريعة الإسلامية، إما تفضيلا لها على شرع الله، وذلك كفر صريح، أو توانيا، وتكاسلا عن تطبيق شريعة الله ؛ بما يغلب منه الظن أن العمل المستمر على خلاف الشريعة يحدث استخفاف لها في القلوب، فإن مثل هذا التواني والتكاسل، وإن لم يكن كفرا صريحا يحيث يكفر به مرتكبه، ولكنه في حكم الكفر، بدليل ما ذكره الفقهاء من أنه لو ترك أهل بلدة الأذان حل قتالهم، لأنه من أعلام الدين، وفي تركه استخفاف ظاهر به، راجع باب الأذان من رد المحتار(1/384). وحينئذ يلحق هذا القسم السابع بالقسم الثالث، وهو الكفر البواح، فيجوز الخروج على التفصيل الذي سبق في حكمه.
ثم إن وجوب الخروج في القسم الثالث والسابع مشروط بالقدرة والمنعة، وجواز الخروج فيهما مشروط بأن يرجى عقد الإمامة لرجل صالح فيه شروط تواجد فيه شروط الإمامة، وأما إذا صار الأمر من جائر إلى جائر، أو استلزم، مثل استيلاء الكفار على المسلمين، فلا يجوز الخروج في هاتين الصورتين أيضا.
وما روى من خروج سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما على يزيد بن معاوية، وتأييد الإمام أبي حنيفة زيد بن علي، ومحمد النفس الزكية وإبراهيم بن عبد الله في خروجهم على أئمة زمنهم محمول على القسم الثالث أو السادس أو السابع، وقد ذكرنا أن الآراء يمكن أن تختلف في تعيين ما يبيح الخروج، والله سبحانه وتعالى أعلم . انتهى كلامه

رأي الإمام أحمد في من يتبع الولاة والقضاة

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/458) :
( كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَأْتِي الْخُلَفَاءَ وَلَا الْوُلَاةَ وَالْأُمَرَاءَ وَيَمْتَنِعُ مِنْ الْكِتَابَةِ إلَيْهِمْ ، وَيَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا نَقَلَهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ ، وَكَلَامُهُ فِيهِ مَشْهُورٌ .
وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْهَرَوِيِّ فَقَالَ : رَجُلٌ وَسِخٌ ، فَقُلْت مَا قَوْلُك إنَّهُ وَسِخٌ قَالَ : مَنْ يَتْبَعُ الْوُلَاةَ وَالْقُضَاةَ فَهُوَ وَسِخٌ .
وَكَانَ هَذَا رَأْيَ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ ، وَكَلَامُهُم فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ مِنْهُمْ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَطَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَدَاوُد الطَّائِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْحَافِي وَغَيْرُهُمْ ).

مقال (رأي حُرُّ في فتنة سوريا وغيرها) للشيخ الجامية سعد بن عبدالرحمن الحصين

الخلاصة:
———
1. حافظ الأسد ولي أمر

2. مقرر العقيدة في المعاهد الحكومية الدينية الذي أُلف في عهد حافظ الأسد خير من مقررات العقيدة في جميع المدارس الدينية الخاصة ، ومن بينها مدارس حزب الإخوان المبتدع.

3. منع اللحى والحجاب ومجزرة حماة مجرد إشاعات يروج لها الإخوان المسلمون.

4. الشعوب الثائرة في وجه الطغيان حزبيون وحركيون غوغائيون مخالفون لشرع الله ومفسدون في الأرض لأن شرع الله ينهى عن منازعة من ولاه الله الأمر!!

5. احتجاجات حماة وتدمر ضد حافظ الأسد كانت فتنة بين الراعي وعدد من أفراد رعيته ، وقام الراعي بما يمليه العقل ويُقرّه الشرع : مقاومة الفتنة إلى حدّ قتل الباغي أو سجنه أو تعزيره.

6. ثورة الشعب السوري على النصيري بشار فتنة شاركتْ فيها الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا وغيرها بحجة أن الراعي يقتل رعيّته ، وفق مبالغات وسائل الإعلام وتقارير الثوار ، وبحجة رفع الظلم عن الثائرين فيما يُسمّى : الشرعيّة الدوليّة وهذا مخالف لشريعة الله في آية الحرابة وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد ، يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه ” . رواه مسلم

7. النصيرية ليسوا كفارا أصليين كما يزعم المنتسبون إلى السنة، ولا يجوز تحكيم كلام ابن تيمية رحمه الله عن أُمّة خَلَت قبل عصره على مُعيّن بعد موته بسبعمائة سنة.

المقال ويليه رده على الشيخ صالح اللحيدان:
————————————

رأي حُرُّ في فتنة سوريا وغيرها

سعد بن عبدالرحمن الحصين

أكثر الآراء مقيّدة بالتقليد ، وبالنقل عن وسائل الإعلام الفاسقة ، وبالعاطفة ( أي الهوى ) مع فئة أو ضدّ فئة ، ويجمع الثلاثة البعد عن التثبّت الذي أمر الله به كل مؤمن : ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا ) وفي قراءة مشهورة : ( فتثبتوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) ، ويجمع الثلاثة غياب العدل الذي أمر الله به المؤمنين في معاملة أعدائهم الذين صدّوهم عن المسجد الحرام : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ) ، (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) .
ولأنّ الله هيّأ لي ما لم يهيّئه للأكثيرين فأقمتُ في بلاد الشام أكثر من عشرين سنة في خدمة الدعوة على منهاج النبوة التي تبثها دولة التوحيد والسنة في أنحاء المعمورة ، وما يتبع ذلك من تقديم الغذاء والكساء والكتب الدينية المطبوعة محليّاً أو المقدم عَيّنات منها لمدير مكتب الحدود ، وبناء المساجد ونحو ذلك .
ومع أنّي ابتُليتُ بما لم يُبتل به الأكثرون من المضايقات الأمنيّة ، فلا أختار لنفسي إلا ما اختاره الله لي من قول الحق والعدل ولو خالفه الأكثرون :
أ – سبق هذه الفتنة فتنة أخرى قبل ( 30 ) سنة ، لو نعتبر :
1 – بدأت الفتنة بمظاهرة في حماة احتجاجاً على حذف ثلاث كلمات تُقرر أن : ( الإسلام دين الدولة ) من الدستور الجديد .
وقد وفّق الشيخ مُلاّ إسماعيل – رحمه الله – ( شيخ حمدي السلفي وفقه الله) في إيجاز القصة بقوله : ( أخطأ المتظاهرون لتمسّكهم بهذه الجملة لأنهم يعلمون أن الإسلام لم يكن دين الدولة منذ الحكم العثماني وبخاصة في الاعتقاد الأعظم أمور دين الإسلام ، وأخطأت الدولة لحذفها ثلاث كلمات كان الأولى إثباتها درءً للفتنة .
2 – وفرّق رجال الأمن المظاهرة كالعادة ، وكالعادة ردّ المتظاهرون بالعنف فحاولوا تفجير مركز للجيش في الأزبكيّة من دمشق ، ولعله أول تفجير انتحاري ، ولما وَجَد سائق سيارة المتفجرات عوائق اسمنتيّة تحول بينه بين الدخول بسيارته إلى المركز اضطرب وفرّ تاركاً السيارة تنفجر في الشارع فقتل عشرات من المارّة .
3 – وتطور التظاهر إلى عصيان مسلّح وكانت الغلبة لسلاح الدولة فهرب قادة العصيان إلى البعث العراقي ، وانتهت أحلام اليقظة بعد أن سُمِّي وزراء الدولة الجديدة التي ماتت قبل أن تولد ، ولعلّ الله اختار الخير فإن أخطاءها محسوبة ظلماً على الدين ، أما الدولة الحاكمة فأخطاؤها محسوبة على العروبة والاشتراكية ، ولن قبل منها صرف ولا عدل ، ولم تتأثر مناهج التعليم الدينية بالعروبة ولا بالاشتراكية بل إن مقرر العقيدة في المعاهد الحكومية الدينية الذي أُلف في عهد حافظ الأسد خيرُ من مقررات العقيدة في جميع المدارس الدينية الخاصة ، ومن بينها مدارس حزب الإخوان المبتدع ، وخير من المقرر في معهد أبو النور لمشيخة الطريقة النقشبندية من تأليف عبد المجيد الزنداني تجاوز الله عنه .
وقد ألّف المقرر الحكومي : البُغا والخنّ وقلعجي ، وخيرهم : علي الشوربجي .
4 – تراوحت الاحصائيات عن عدد القتلى في حماة نتيجة لهذه الفتنة بين ( 000/20 ) كما ذكرت مجلة المجتمع الإخوانية في الكويت و ( 000/30 ) كما ذكر أمين الندوة العالمية للشباب الإسلامي الإخوانية في الرياض و (000 /70 ) كما ذكر الشيخ محمود الإستنبولي من سوريا رحمه الله .
ثم ظهر تقرير تحالُف الثوار ( إخوان وقوميين عرب وبعثيين عراقيين وسائر الخارجين على الدولة على اختلاف انتماءاتهم بين إسلامي وعلماني ) بعنوان : ( حماة مأساة العصر ) فعدوا نحو ( 000/3 ) .
ومع أن أقل تقدير باسم الثوار فلا يزالون هم وغيرهم يكيلون بالألوف وعشرات الألوف ولا ذكر للأرقام بين ( 1 ) و( 999 ) فهي لا تصلح للإثارة ولا لجمع التبرعات ، أما آيات التثبت والعدل والوزن بالقسطاس المستقيم فالغالب أنها تُقرأ للحفظ لا للتدبر ولا للعمل ، نستغفر الله ونعوذ به من أن نَظلِم أو نُظلَم .
5 – وانتشرت الشائعات بمنع اللحى والحجاب ومحو ( حماة ) من وجه الأرض ؛ فذهبتُ فور توقف القتال وشاء الله أن يكون جاري في الصلاة ضابط مُلتح وعرفتُ لأول مرة أن الجيش السوري لا يمنع الإلتحاء بين أفراده خلافاً لكثير من الدول العربية والمسلمة ولم أر حجاباً ( بعد السعودية ) أكثر منه في سوريا ، وزرتُ حماة مع بعض إخواني في الدين والنسب أكثر من مرة ، وفي إحدى المرات اصطحبنا وعد باطلاعنا على الدمار فلم نره في بيت واحد ، ولم يزل أمين الندوة العالمية الإخوانية حتى مات رحمه الله يؤكد محو ( حماة ) من وجه الأرض ، بل ردد هذه الشائعة قبل أشهر كبير القضاة ( في بلد مسلم ) ، مع أنه لم يُبتل باتباع المناهج الحركية الحزبية المبتدعة ولكنه لم يسلم من اتباع دعاياتها المضلة ، وردد كبير القضاة فرية قتل عشرات الألوف ، والحقيقة أن الأُذن قد تَحلّ محل العقل في هذا العصر إلا لمن رحمه الله ؛ فكيف إذا حلت محل الخلق الشرعي !؟ .
بـ – وجاءت الفتنة الحاضرة ، ورأيتُ فيها أنها :
1 – بدأت تقليداً للفتن المتتابعة التي كانت شرارتها الأولى إحراق تونسي نفسه سخطاً على تقدير الله رزقه عافانا الله مما ابتلاه به ، واغتنمها الحزبيون والحركيون الغوغائيون في عدد من بلاد العرب مخالفة لشرع الله وإفساداً في الأرض .
فشرع الله ينهى عن منازعة من ولاه الله الأمر إلا أهل الحل والعقد إذا رأوا كفراً بواحاً معهم عليه من الله برهان : آية محكمة أو حديث صحيح بفهم فقهاء الأمة في القرون الخيرة ، وقال الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) .
والفساد في الأرض يلازم المظاهرات والاعتصامات والثورات والاضرابات منذ بدايتها حتى نهايتها ، ينقص الأمن والأنفس والمعايش ، والخدمات التي توفرها الدولة غالباً مهما كان حالها .
2 – في الفتنة الأولى بقي النزاع بين الراعي وعدد من أفراد رعيته ، وقام الراعي بما يمليه العقل ويُقرّه الشرع : مقاومة الفتنة إلى حدّ قتل الباغي أو سجنه أو تعزيره ، وقال الله تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ) .
ولأن السلفيين يُحَكّمون ما أنزل الله فلم يَخرجوا ولم يفسدوا ولم يَقتلوا ، وعلى هذا لم يُقتل منهم أحد ولم يُسجن منهم إلا الشيخ محمد عيد العباسي ووكد لي بعد خروجه من السجن أنه خرج عن منهاج السنة فأعطى قريباً له مالاً طُبع به ديوان لمروان حديد من حزب الإخوان ، لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ، بل يثير الفتنة بين الراعي والرعية كعادة الحزب المفسد ، وفهمتْ منه أنه اشتُرى ببعض المال سلاح لقتال ولاة الأمر .
وفي الفتنة الأخيرة شاركتْ الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا وغيرها في الفساد بحجة أن الراعي يقتل رعيّته ، وفق مبالغات وسائل الإعلام وتقارير الثوار ، وبحجة رفع الظلم عن الثائرين فيما يُسمّى : الشرعيّة الدوليّة ؛ أما شريعة الله في آية الحرابة وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد ، يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه ” . رواه مسلم ؛ فتبقى في الكتاب والسنة إلى أن تكون معنا .
جـ / يحتج المنتمون إلى السنة بأن رأس الدولة ينتمي إلى طائفة قال عنها ابن تيمية – رحمه الله – أكفر من اليهود والنصارى :
1 – هل يجوز تحكيم كلام ابن تيمية رحمه الله عن أُمّة خَلَت قبل عصره على مُعيّن بعد موته بسبعمائة سنة !!؟
2 – وهل كان المنتمون إلى السنة ( منذ عصره إلى يومنا هذا ) من أهل السنة حقاً ( غير النّادر ) ، وقد نفوه وسجنوه حتى مات رحمه الله لجهره بالتوحيد والسنة ، والأكثرون يقترفون أو يقرون الشرك والابتداع !! .
واليوم ( في كل بلاد الشام المباركة المقدسة ) : أكثر أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة والأنصاب والأشجار المعتقد فيها والمدعوّ من سُميتْ باسمه هي خاصة بالمنتمين للسنة أو مشتركة بينهم وبين اليهود والنصارى ( كما في المسجد الإبراهيمي بالخليل من أرض فلسطين : (4 ) لليهود والنصارى ، و( 7 ) للمنتمين للسنة ) ، ودعاء غير الله أسوأ ما يُميّز الطوائف الأخرى ، ويجتمع المنتمين للسنة مع المنتمين للشيعة على وثن باسم السيدة زينب ، وسمعتُ بأذني مرة رئيس مؤسسة دينية يطلب من آخر ذبح خروف عند السيدة زينب كفارة ظلمه له !! ؛ ويجتمع المنتمون للسنة مع النصارى على تقديس ثلاثة أوثان باسم الخضر ، جُهّز أحدها بمذبح للقرابين في بلد واحد ، ومع غيرهم أو منفردين على آلاف الأوثان في مختلف بلاد العرب والمسلمين عدا السعودية وبعض دول الخليج .
وأشهد أن الذبح لوثن باسم خالد بن الوليد في حمص لم يتوقف إلا منذ عشرين سنة ، أوقفه وزير للأوقاف في دولة البعث ، وأوفق معه الصلاة على أبوي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان في أحد مساجد المنتمين للسنة ، ردهم الله إلى دينه الحق ، وهذا لا يعني بالضرورة توقف أصحاب القربان الوثني عن نذرهم لغير الله ، ولكن الوزير رحمه الله عمل ما استطاع فأمر المسئول عن جمعية خيرية باستلام القربان وذبحه في الجمعية باسم الله ، وتقديم لحمه للمحتاجين ، ومن سننه الحسنة أنه أخذ موافقة حافظ الأسد على فتح مراكز الأسد لتحفيظ القرآن في كل مسجد يرغب أهله في ذلك ، وفي حالة نادرة تحول المركز إلى معهد شرعي سلفي ثم ابتُلي بالمبتدعة فأفسدوه !!.
د / تجاوزات موظفي المؤسسات الأمنية قد تكون هي شر ما يسيء إلى علاقة الراعي بالرعية في كل نظام ( وبخاصة النظم الاشتراكية ) ، بل قرأتُ في مذكرات مسئول أمني متقاعد في بريطانيا أن المؤسسة الأمنية وأفرادها يعيشون على الظن ولولاه لما تطورت المؤسسة وكثر موظفوها ، ثم إن الأمنيين تحيط بهم هالة من السرية يأمنون في ظلها المحاسبة الدنيوية ، وقليل منا من يستحضر المحاسبة والمعاقبة الأخروية ! نستغفر الله .
فقد ثاروا على خليفة النبي صلى الله عليه وسلم الثالث عثمان رضي الله عنه وقتلوه ، وعلى الخليفة الرابع ابن عمّ رسول الله فقتلوه ، ولو لم يوجد ناعق الثورة الفرنسية ، ثم الثورات العربية منذ جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم والسلال والقذافي وصدام والبعث العراقي والسوري ، وثورة الخميني وهي الأقرب إليهم تؤزهم أزّاً ، ولو لم يُحرق التونسي نفسه ؛ لوجدوا قدوة أخرى .
ولقد تسوّر الأمنيون منزلي في سوريا الاشتراكية وفي الأردن الرأسمالية ؛ عرفتُ ذلك من آثار أحذيتهم العسكرية ، ومن أنهم لم ينقصوا المنزل شيئاً من أثاثه ، غير بضعة كتب يعلم الله أني لم أجز نشرها لما فيها من تعد على ولاة الأمر هنا أو هناك ، ومع ذلك لم تأخذني العزة بالإثم بل استمر نهيي عن منازعة ولاة الأمر ولو جاروا ولو ظلموا ، والظلم غالباً يتعلق بصغار الأمنيين وهم من أفراد الشعب ، وقد لا يرضى به كبارهم بدليل أن حافظ الأسد نفى أخاه رفعت ، ونفى ميشيل عفلق لتجاوزهما الحدود في العلاقة بين الراعي والرعية .
وإني لأدعُو لجميع ولاة المسلمين بالهداية والتوفيق ، وأدعو لعامتهم أن يطهر قلوبهم وأعمالهم ومساجدهم من الشرك والبدع والفتن والمعاصي ما ظهر منها وما بطن ، ونحو ذلك مما يُكمل نقص القانتين والخطباء الذين يدعون لهم بالنصر ، ويحرمونهم الدعاء بالهداية وهم في أشد الحاجة إليها .
قال لي عبد الله المطوع ومانع الجهني – رحمهما الله – وهما ممن خدع بالدعاية الإخوانية : لمصلحة مَنْ تنفي قتل عشرات الألوف ومحو حماة عن وجه الأرض ؟ ، قلت : لأن حزبكم وحلفاءه لم يزيدوا في دعواهم عن آحاد الآلاف ، وعادتهم المبالغة ، ولأن حماة موجودة على وجه الأرض ، فلمصلحة الشرع والحق والعدل واتباعاً للآية المحكمة والحديث الصحيح ، ومَنْ رضي فله الرضى ، ومن سخط وهم الأكثرون دعونا لهم بالهداية وبكلمة الحق والعدل في الغضب والرضا .
7 / 5 / 1433 هـ .
سعد الحصين

من : سعد الحصين .
إلى معالي الشيخ / صالح بن محمد اللحيدان – أصلح الله حاله ومآله .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمّا بعد :
فقد أطلعني بعض إخواني في الدين والدعوة على تصريحاتٍ منسوبةٍ إليكم عن أحوال الفتن في بعض الدول العربية ؛ وقد كان علماء السّنّة ( من أمثالكم ) ينهون عن المشاركة في الفتن بقول أو فعل .
ويروى عن الإمام أحمد – رحمه الله – أنه قال : ( الإمساك في الفتنة سُنة ماضية واجب لزومها … ولا تُعنْ على فتنة بيدٍ ولا لسان ، ولكن أكفُفْ يدك ولسانك ) ، طبقات الحنابلة ( 1/58 ) .
وأوْصى الآجري رحمه الله : ( بترك الخوض في الفتنة ؛ فإن الفتنة يفتضح عندها خلق كثير ) ، الشريعة ( 1/393 ) .
وحذّر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – من الخوض في الفتن بقول جامع :
( وممّا ينبغي أن يُعلم أن أسباب هذه الفتن تكون مشتركة ، فَيَرِد على القلوب من الواردات ما يمنعها من معرفة الحقّ وتصوّره ، فضلاً عن إرادته وطلبه ) ، منهاج السنة ( 4/538 ) .
واجه الإمام أحمد – رحمه الله – بـ(نفسه وعلمه واعتقاده ) فنتةً لا يُعْرَف أنها تكرّرت في تاريخ المسلمين ؛ ثلاثة ولاة من ولاة المسلمين ( المأمون ، والمعتصم ( وا معتصماه ) والواثق ) يُقسرون علماء السنة على مخالفة صحيح المعتقد بدعوى خلق القرآن ، ويُقتل بعض العلماء ، ويُسجن ويُجلد بعضهم ، ومنهم الإمام أحمد ، ويُمنعون من تعليم الدين ، ومع كلّ ذلك لا يجيز الإمام أحمد لنفسه ولا لغيره الخروج على أحد منهم ، فكيف بولي الأمر الذي لم يأمر بالمعصية ولم يقتل أو يجلد أو يسجن عليها ؟!
وأسباب فتنة الخروج مختلفة كما في قول ابن تيمية رحمه الله ، ولو كان الدين بينها فليس أهمّها ، ولو كان – جدلاً – فهل يُحَكّم الغوغاء وأكثرهم :﴿ لا يشكرون ﴾ ولا : ﴿ يعلمون ﴾ ، ﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾ ، وأشهد أنّ أكثر أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة في البلاد العربية التي تحرّكت فيها الفتن هي للمنتمين للسّنة : ( الرعيّة لا الرّعاة ) سدنتها وعابديها .
ولأني أستبعد صدور ما نُسب إليكم منكم ، لعلمي بما تفضل الله به عليكم من علم وعمل ودعوة إلى ذلك ، وأنكم أحرى الناس بالاستجابة لوصيّة الله لعباده : ﴿ ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ﴾ ، وأنكم ممّن يَرجع إلى الآية والحديث ، والفقه فيهما ممن ثبتت له الخيرية ، لا إلى الجرايد ولا الانترنت ، ولا الفضائيات ، ولو لبست لباس الدين ، مثل : حِرَاء الصوفيّة ، والمجْد الحركيّة الضائعة بين وبين .
لذلك ؛ فإني أرغب في نشر هذه الرّسالة تبرئة لكم وقطعاً لدابر المتقوِّلين عليكم ، إن لم يردني منكم ما يمنع النشر .
وواضح من بعض الكلام المنسوب إليكم أنّه ليس لعامة الناس الخروج على ولي أمرهم ولو ظلم أو فجر ، بل ولو كفر ، وإنما ذلك لأهل الحلّ والعقد القادرين على ( معرفة الحقّ وتصوّره ) كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله آنفاً ؛ ولكن الغوغاء ( ومنهم الحركيّون والحزبيّون الإسلاميّون بزعمهم ) يعصون الله ورسوله وأولي أمرهم بخروجهم عليهم ، ثم هم يستفتون العلماء ليأخذوا من كلامهم ما يوافق أو ما لا يخالف معصيتهم وينذون الباقي .
نصر الله بكم دينه .
سعد الحصين .

إنكار عبد الله بن مغفل رضي الله عنه على الأمير علنا

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في فتح الباري 159/13 ح 7151: ( أخرج الطبراني في الكبير من وجه آخر عن الحسن قال لما قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا أمره علينا معاوية غلاما سفيها يسفك الدماء سفكا شديدا وفينا عبد الله بن مغفل المزني ( قال الجيلالي الدكالي : هو من اهل بيعة الرضوان ) فدخل عليه ذات يوم فقال له انته عما أراك تصنع ، فقال له وما أنت وذاك ـ أي : وما شأنك أنتَ يا ابن مغفل ؟ ـ قال ثم خرج إلى المسجد فقلنا له ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس فقال انه كان عندي علم فأحببت أن لا اموت حتى أقول به على رؤوس الناس ثم قام فما لبث ان مرض مرضه الذي توفي فيه فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده ) .

رشيد رضا ينقل خلاف أهل السنة في مسألة الخروج على الحاكم الجائر

قال العلامة رشيد رضا: وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ وَحُكْمِ مَنْ يَخْرُجُ ; لِاخْتِلَافِ ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالصَّبْرِ وَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَمُقَاوَمَةِ
الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ، وَلَمْ أَرَ قَوْلًا لِأَحَدٍ جَمَعَ بِهِ بَيْنَ كُلِّ مَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَوَضَعَ كُلًّا مِنْهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سَبَبُ وُرُودِهِ، مُرَاعِيًا اخْتِلَافَ الْحَالَاتِ فِي ذَلِكَ، مُبَيِّنًا مَفْهُومَاتِ الْأَلْفَاظِ بِحَسَبِ مَا كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ بِهِ فِي زَمَنِ التَّنْزِيلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ. مِثَالُ هَذَا لَفْظُ ” الْجَمَاعَةِ ” إِنَّمَا كَانَ يُرَادُ بِهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي تُقِيمُ أَمْرَ الْإِسْلَامِ بِإِقَامَةِ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ صَارَتْ كُلُّ دَوْلَةٍ أَوْ إِمَارَةٍ مِنْ دُوَلِ الْمُسْلِمِينَ تَحْمِلُ كَلِمَةَ الْجَمَاعَةِ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنْ هَدَمَتِ السُّنَّةَ وَأَقَامَتِ الْبِدْعَةَ وَعَطَّلَتِ الْحُدُودَ وَأَبَاحَتِ الْفُجُورَ، وَمِثَالُ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ تَعَدُّدُ الدُّوَلِ؛ فَأَيُّهَا تَجِبُ طَاعَتُهُ وَالْوَفَاءُ بِبَيْعَتِهِ؟ وَإِذَا قَاتَلَ أَحَدُهَا الْآخَرَ؛ فَأَيُّهَا يُعَدُّ الْبَاغِيَ الَّذِي يَجِبُ عَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُ حَتَّى يَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ؟ كُلُّ قَوْمٍ يُطَبِّقُونَ النُّصُوصَ عَلَى أَهْوَائِهِمْ مَهْمَا كَانَتْ ظَاهِرَةً.
وَمِنَ الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا قَوْلًا وَاعْتِقَادًا أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، ” وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ “، وَأَنَّ الْخُرُوجَ عَلَى الْحَاكِمِ الْمُسْلِمِ إِذَا ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَاجِبٌ، وَأَنَّ إِبَاحَةَ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ ; كَالزِّنَا وَالسُّكْرِ وَاسْتِبَاحَةِ إِبْطَالِ الْحُدُودِ، وَشَرْعِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ، كُفْرٌ وَرِدَّةٌ، وَأَنَّهُ إِذَا وُجِدَ فِي الدُّنْيَا حُكُومَةٌ عَادِلَةٌ تُقِيمُ الشَّرْعَ وَحُكُومَةٌ جَائِرَةٌ تُعَطِّلُهُ، وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ نَصْرُ الْأُولَى مَا اسْتَطَاعَ، وَأَنَّهُ إِذَا بَغَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أُخْرَى، وَجَرَّدَتْ عَلَيْهَا السَّيْفَ، وَتَعَذَّرَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِتَالُ الْبَاغِيَةِ الْمُعْتَدِيَةِ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ، وَمَا وَرَدَ فِي الصَّبْرِ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ – إِلَّا إِذَا كَفَرُوا – مَعَارَضٌ بِنُصُوصٍ أُخْرَى، وَالْمُرَادُ بِهِ اتِّقَاءُ الْفِتْنَةِ وَتَفْرِيقُ الْكَلِمَةِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَأَقْوَاهَا حَدِيثُ: ” وَأَلَّا تُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا “. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِالْكُفْرِ هُنَا الْمَعْصِيَةُ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مُنَازَعَةَ الْإِمَامِ الْحَقِّ فِي إِمَامَتِهِ لِنَزْعِهَا مِنْهُ لَا يَجِبُ إِلَّا إِذَا كَفَرَ كُفْرًا ظَاهِرًا، وَكَذَا عُمَّالُهُ وَوُلَاتُهُ، وَأَمَّا الظُّلْمُ وَالْمَعَاصِي فَيَجِبُ إِرْجَاعُهُ عَنْهَا مَعَ بَقَاءِ إِمَامَتِهِ وَطَاعَتِهِ فِي الْمَعْرُوفِ دُونَ الْمُنْكَرِ، وَإِلَّا خُلِعَ وَنُصِّبَ غَيْرُهُ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ خُرُوجُ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ سِبْطِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِمَامِ الْجَوْرِ وَالْبَغْيِ الَّذِي وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقُوَّةِ وَالْمَكْرِ، يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ خَذَلَهُ اللهُ وَخَذَلَ مَنِ انْتَصَرَ لَهُ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ وَالنَّوَاصِبِ
الَّذِينَ لَا يَزَالُونَ يَسْتَحِبُّونَ عِبَادَةَ الْمُلُوكِ الظَّالِمِينَ عَلَى مُجَاهَدَتِهِمْ لِإِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالدِّينِ. وَقَدْ صَارَ رَأْيُ الْأُمَمِ الْغَالِبُ فِي هَذَا الْعَصْرِ وُجُوبَ الْخُرُوجِ عَلَى الْمُلُوكِ الْمُسْتَبِدِّينَ الْمُفْسِدِينَ، وَقَدْ خَرَجَتِ الْأُمَّةُ الْعُثْمَانِيَّةُ عَلَى سُلْطَانِهَا عَبْدِ الْحَمِيدِ خَانْ، فَسَلَبَتِ السُّلْطَةَ مِنْهُ وَخَلَعَتْهُ بِفَتْوَى مِنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَتَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِمُصَنَّفٍ خَاصٍّ، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَرَجَّحَ الْحَقَّ عَلَى الْهَوَى. [تفسير المنار ج6 ص304]